تنوير العالَمين بما جاء من أقوال الشيخ التجانيّ في حقّ صاحب تـمـاسيـن
للأستاذ السيّد
مراد بن الأخضر بن ناصر
مختصّ في علم المخطوطات وتحقيقها
بسم الله الرحمن الرحيم
صدر الكلام
تمهيـد
الحمد لله القائل :
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
[ يونس : 62 ] ،
،صاحب الإفضال والإنعام الرحمن الرحيم ، الصائن لأحبائه من تلاطم أمواج الحسد والبغض ، وحاميهم من سهام الشرور وحافظهم من إنكار النكور ، ثمّ الصلاة والسلام على من سئل عن الوليّ فقال :
«
هو الذي إذا رؤي ذُكِرَ الله
» ،
،وعلى آله شموس الضحى من أناروا دروب الدجى للأمّة ولكلّ من إليهم عنى ، وعلى صحابته حصون الدين ودروع الإيمان من توشّحوا بمقامات الإحسان ، ثمّ الرضا والرضوان على الشيخ سيّدي أحمد التجاني ، مَن به فتح الله على الأمّة الدائرة الفضلية ، وكلّ من ولج بحرها فقد دخل حيّز السعادة الأبديّة ، وعلى خليفته قطب الورى سيّدنا عليّ التماسينيّ من تحمّل أعباء ذات الألواح والدسر ، فكان خير خليفة وقطب وحامل للسرّ .
المقـدّمـة
إنّ لكلّ الطرق الصوفيّة والمدارس الروحيّة شيخ مُرَبٍّ وأستاذ مقدّس ، وهذا ما درج عليه الأقدمون من أهل التصوّف والعارفون بالله ، وكما كان الحال كذلك فإنّ للطريقة التجانيّة شيخ مؤسّس ، به انطلقت المسيرة في هاته المدرسة وبه بدأت ، ألا وهو الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، وكما كان الحال كذلك أنّ لكلّ تلك المدارس أتباع وتلاميذ همّهم الأمر أن يكونوا أتباعا ، وأن يتربّوا على أيدي أولئك المشايخ فكان الحال كذلك بالنسبة لطريقتنا ، فقد وفد على الشيخ رضي الله عنه الكثير من الأتباع المحبّذين لهاته الطريقة لما وجدوا فيها من يسر الطريق وبلوغ الغاية والهدف على التحقيق . ولعلّ من أهمّ الأمور التي يشدّ لأجلها الترحال هي تلك الأقوال التي تمّت بين المشايخ وتلامذتهم لما فيها من الحكم والأسرار ، ونفائس الدرر والجواهر ، كما حصل بين الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه وبين من كان معه وعايشه من التلاميذ ، ومن هؤلاء التلاميذ المجتهدين نذكر سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه ، لأنّ مقام الكلام هنا يدور حول هاته الشخصيّة الفذّة والنادرة والتي برهنت على الفناء في محبّة الشيخ ، وعلى التواضع والاستماتة في الخدمة ، ولعلّ هاته الصفات التي جعلته يحوز على وسام السبق ومن ثمّة تاج الخلافة على الخلق .
المـوضـوع
ممّا يجدر بنا هنا ، التكلّم عن موضوع الكتاب ، والذي يدور حول أقوال الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه الموجّهة بصفة مباشرة إلى سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ، أو قيلت في حال غيابه وهي خاصّة به رضي الله عنه ، وذلك من خلال كتاب "
غرائب البراهين في مناقب صاحب تماسين "
لابن المطماطية .
أهميّـة المـوضـوع
تتجلّى أهميّة الموضوع في إبراز الكثير من الحقائق المبهمة ، ورفع الستائر على العديد من الدقائق المزعمة حول ما كان لسيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه من المكانة والمحبوبيّة والتقديم لدى الشيخ الأكبر رضوان الله عليه ، وتتبلور الأهميّة أكثر في إبراز شخصيّة سيّدي الحاج عليّ من خلال هاته الأقوال لِما توحيه من تدرّج شخصيّته في مدارج مدرسة الحقيقة ، ولمكانتها في الطريقة ، حيث أنّ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه خلف الشيخ الأكبر على أمور الطريقة ، وورث سرّه ، وحمل لواءه ، وجلس على سجادة الخلافة ، وكلّ ذلك باعتراف من الشيخ رضوان الله عليه .
أهـداف المـوضـوع
إنّ لكلّ موضوع غايات وأهداف ، وإنّ مِن أهداف هذا الموضوع ما يلي :
- محاولة إبراز العلاقة التي كانت دائرة بين سيّدي الحاج عليّ والشيخ الأكبر رضي الله عنهما .
- إظهار مكانة سيّدي الحاج عليّ عند الشيخ من خلال أقوال الشيخ .
- تبيان ملامح سيّدي الحاج عليّ من خلال أقواله وردود أفعاله .
- فتح الباب على مصراعيه لكل الدارسين والباحثين في النظر والدرس والبحث حول شخصية سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه .
حـدود المـوضـوع
إنّ حدود الموضوع كما هو موضّح من خلال العنوان أن لا يتعدّى استخراج وجمع الأقوال المنسوبة للشيخ الأكبر في حقّ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ من كتاب غرائب البراهين .
تسـاؤلات المـوضـوع
- من هو سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ( نبذة مختصرة ) ؟
- ماذا يكون كتاب غرائب البراهين ، وما الذي حواه واحتواه ؟
- ما هي الأقوال المنسوبة للشيخ الأكبر والتي قيلت في حقّ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ؟ وما هي المحاورات الدائرة بينهما ومناسبتها وأسبابها من خلال نفس الكتاب ؟
منهـج المـوضـوع
لقد اتّبع في هذا العمل المتواضع منهج الجمع وإعادة الضبط لكلّ أقوال الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه في حقّ صاحب تماسين الواردة في كتاب غرائب البراهين ، وذلك من خلال القراءة والمسح والاستخراج لهاته الأقوال .
تقسيمـات المـوضـوع
لقد جاءت تقسيمات الموضوع على النحو التالي :
تمّ وضع مصطلح صدر الكلام كتعبير عن المقدّمة المتعوّد عليها ، ثمّ التمهيد كعنوان أساسيّ ، ثمّ المقدّمة كعنوان فرعيّ من التمهيد ومنها العناوين الفرعيّة الأخرى المنبثق عن المقدّمة .
أمّا بالنسبة للموضوع فقد كان التقسيم كما يلي :
- تمهيد ( مقدّمة ، الموضوع ، أهميّة الموضوع ، أهداف الموضوع ، حدود الموضوع ، تساؤلات الموضوع ، منهج الموضوع ) .
- تعريف ، كنبذة مختصرة للخليفة الأعظم سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه .
- كلمة تعريفيّة بالكتاب المنقول منه الأقوال كنبذة مختصرة .
- أقوال الشيخ وإيراد مناسبتها وأسباب ورودها .
- الخاتمة .
الشيخ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه .
هو العارف بالله السيّد الفاضل الشريف العفيف ، ذو المعدن النفيس ، سيّدي الحاج عليّ بن الحاج عيسى ، ولد رضي الله عنه سنة 1180 هـ الموافق لـ 1766 م في منطقة تماسين من نواحي ولاية ورقلة بالجنوب الجزائريّ ، وقد كان البيت الذي ترعرع فيه يوصف بالصلاح والطهارة والتقوى ، كما أنّه امتاز رضي الله عنه بالتواضع والزهد ومحبّة أهل الله من الصالحين ، وكان توّاقا إلى مصاحبتهم ومجالستهم ، كما كان معاصروه يشهدون له بالحكمة ومكارم الأخلاق .
وقد كان أوّل لقاء له بالشيخ الأكبر رضي الله عنه سنة 1204 هـ الموافق لـ1789 م لمّا كان الشيخ رضي الله عنه بعين ماضي .
وقد كان رضي الله عنه يقدّمه على أكابر السابقين إلى هذه الحضرة العليّة إماما عليهم في الصلاة خصوصا بمدينة فاس التي عرفت بكثرة علمائها وصلحائها .
وعند مجيء عام 1220 هـ الموافق لـ 1805 م أمره الشيخ رضي الله عنه ببناء زاوية له بتملاّحت بتماسين ، فكان رضي الله عنه عند حسن الظنّ ، وقد تعدّى مستوى الثقة التي كانت قد وضعت فيه فبهر وأبهر كلّ مَن عاصره بإخلاصه وصدقه وتفانيه في خدمة الشيخ رضي الله عنه .
ثمّ إنّ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه كان قد أخذ لواء السيادة ، وتمكّن من مقود القيادة في حياة الشيخ سيّدي أجمد التجاني رضوان الله عليه ، فقد مكّنه الشيخ من الخلافة وسلّمه مفاتيحها تنفيذا لأمر إلهيّ كان قد صدر .
بعد وفاة الشيخ الأكبر رضي الله عنه خدم سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ الطريقة أيّ خدمة ، وتفانى في إعلاء كلمتها والذود عن عرينها ، كما أنّه حافظ على دار الشيخ وأهله كما أوصاه ، وجلس رضي الله عنه على عرش الطريقة التجانيّة والحقيقة الأحمديّة ما يقارب الثلاثين سنة خادما لها وحصنا منيعا لمبادئها وأهلها .
إنتقل رضي الله عنه إلى الرفيق الأعلى سنة 1260 هـ الموافق لـ 1844 م ، وقد ترك للأحباب الكثير من الوصايا والكثير من المقولات والحكم ، لعلّ من أهمّها وأشهرها قوله رضي الله عنه " عليكم باللويحة والمسيحة والسبيحة حتّى تخرج الرويحة " ، وقد كان القصد منها العلم والعمل والعبادة حتّى الممات .
نبذة عن كتاب غرائب البراهين
يعدّ كتاب غرائب البراهين ، والذي يحمل العنوان الكامل ( غرائب البراهين في مناقب صاحب تماسين ) من الكتب التأريخية التي سجّلت لنا الكثير من الأحداث والوقائع التاريخيّة في الطريقة التجانيّة في مرحلة من المراحل الزمنيّة الفائتة ، والعلاقات التي كانت سائدة في ذلك الحين بين الأكابر فيما بينهم ، وبين الأحباب والأتباع . كما أنّ هذا الكتاب يعدّ كتاب تجميعيّ ، أيّ أنّ صاحبه السيّد الفاضل محمود بن محمد بن محمود التجانيّ ، المشهور بابن مطماطيّة ، قام بجمع المعلومات والتواريخ والأحداث والوقائع ، ورحل لأجلها إلى مختلف البقاع التي كانت فيها عقول المملين ذوو الذاكرة الفذّة والفهم النافذ والثاقب .
كما أنّ كتاب غرائب البراهين هذا ، والذي لا يزال مخطوطا ولم يطبع طباعة رسميّة بعدُ ، قام جامعه ومؤلّفه بتقسيمه إلى العديد من الأبواب تسهيلا للقراءة والفهم . فقد جاء على نحو عشرين بابا كان قد رقّمها صاحبها ترقيما عاديّا من الواحد إلى العشرين ، وأعطى لكلّ باب عنوانا يليق بمحتواه .
وللعلم فإنّ صاحب هذا الكتاب كان قد استهلّ كتابه هذا بكلمة تمهيديّة وضّح فيها قصوره وعجزه عن ولوج مثل هاته المدارك ، ثمّ عرّج على الأسباب التي جعلته ـ أو دفعته ـ إلى ولوج غمار مثل هذه الفنون والتأليف فيها . كما وضع فاتحة للكتاب وضّح فيها تقسيماته وأبوابه وعنوان كلّ باب ، ثمّ ختم فاتحته بالدعاء للشيخ ولنفسه ولعامّة الأحباب .
أقـوال الشيـخ الأكبـر رضـي اللـه عنـه
(1)
قول الشيخ سيّدي أحمد التجانيّ رضي الله عنه :
أنت أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
، إنّما أنت عليّ بن أحمد التجانيّ بن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
1
(2)
قوله رضي الله عنه :
الله ورسوله يقولان عليّ التماسينيّ وأنت تقول عليّ حرازم .
2
(3)
قوله رضي الله عنه :
" إصنعا لهذا الرجل زاد سفره كي يرحل عنّي
في هذه الساعة ولا يجلس معي بعد هذا اليوم أبدا " .
" ما بقي لك إلاّ أن تسلبني سرّي " .
" ما هذا منك ؟ أيأتيك الرجل فيناديك يا وصيف
ياوصيف ، فتجيبه بنعم يا سيّدي ! فسافرْ عنّي واتّخذْ
زاوية لنفسك فقد أعطيتك التصريف حيّا وميّتا من العسفيّة
إلى تونس ليس لأحد من الأولياء المتصرّفين معك في
ذلك ، وإنّي قد جعلت مفاتيح الأكوان كلّها في قبضة يدك ،
أفتريد بعد هذا أنْ تأخذ ما ادّخرته لأولادي ؟ " .
3
(4)
قوله رضي الله عنه :
ذلك الرجل مفتوح عليه والصلاة خلف المفتوح عليه مقبولة .
4
-
قال الشيخ رضي الله عنه هذه المقولة عندما كان يتكلّم في مجلس من المجالس عن السادة الأشراف ، فسأله سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ عن نسبه قائلا : " يا سيّدي وهل أنا شريف أم لا ؟ " ، فقال له رضي الله عنه : " نعم أنت شريف " ، فقال سيّدي الحاج عليّ : " أريد أن تبيّن لي صحّة نسبي " ، فقال الشيخ مقولته تلك .
ملحق : أمّا عن نسب الشيخ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه الطيني فهو شريف عفيف لا خلاف في ذلك . فأصل أجداده من منطقة ينبع بالحجاز ، وقد كان في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أهدى لسيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قطعة أرض بها استقرّ أبناءه كرم الله وجهه ، ومنهم من لم يستقرّ بها فهاجر إلى المغرب ، وانتشر الآخرون في ربوع المعمورة . أمّا شجرة سيّدنا الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه فهي كالتالي : [ الحاج عليّ بن الحاج عيسى بن الحاج محمد بفتح أوّله بن الحاج محمد بن موسى بن يحي بن إسماعيل بن محمد بن أحمد بن عليّ بن محمد بن عليّ بن حسن بن قاسم ، المشهور بزارع ، بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن عرفه بن الحسن بن أبي بكر بن عليّ بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل بن قاسم بن محمد النفس الزكيّة ، ( هنا يجتمع نسبه ويتّحد مع نسب الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنهم أجمعين ) بن عبد الله بن الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه بن مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليهم أجمعين ] .
-
مناسبتها أنّ الشيخ رضي الله عنه أمر أحد أصحابه بأن يقوم ويجهر بقوله : " ألا إنّ العصر لله وللرسول ولأحمد التجانيّ ، والخلافة لِعَلِيّ " . فقال سيّدي عليّ التماسينيّ : " عليّ حرازم " ، فلم يردّ عليه الشيخ . وأعاد المنادي وأعاد سيّدي عليّ التماسينيّ ، فنظر إليه الشيخ رضي الله عنه قائلا ، بعدما رمى إليه بسبحته بصيغة التوبيخ ، تلك المقولة ، وكان ذلك في يوم جمعة عقب الهيللة وبمحضر ومجلس من أصحابه الكبار .
للإفادة : لا تزال تلك السبحة التي رمى بها الشيخ إلى سيّدي عليّ التماسينيّ موجودة إلى غاية اليوم ، وهي موجودة في زاوية البرج بتغزوت ولاية الوادي من الجنوب الجزائريّ .
-
لقد كان في أحد الأيّام سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ مسافرا في رحلة مع الشيخ من فاس إلى عين ماضي ، وكان معهم كلٌّ من سيّدي محمد بن المشري وسيّدي محمود التونسي رضي الله عنهم . ولمّا بلغوا مقربة من عين ماضي ضربت الخيام ودخل الشيخ خيمته للاستراحة من عياء الطريق ، فأخذ سيّدي عليّ التماسينيّ سطلا من الماء ووقف أمام باب الخيمة قصد التعجيل في إجابة الشيخ عند الحاجة . وهو على تلك الهيئة إذ برجل من أرباب الأموال سمع بقدوم الشيخ فحضر يحمل له هدايا ، فلما رأى سيّدي عليّ التماسينيّ ظنّه من وصفان الشيخ ، فناداه بأعلى صوته " يا وصيف يا وصيف " ، فردّ عليه بقوله " نعم سيّدي " ، فسلّمه الإبل وهدايا الشيخ . وبهذا أطلّ الشيخ من الخيمة ونادى على كلّ مِن سيّدي محمد بن المشري وسيّدي محمود التونسي وقال لهما المقولة .
أمّا المقولة الثانية فقد قالها رضي الله عنه بعدما رأى استعطاف سيّدي الحاج عليّ له وسائلا عن ذنبه قائلا : " ما ذنبي الذي أخذته منك يا مولاي " .
والمقولة الثالثة قالها الشيخ استعظاما لقول سيّدي الحاج عليّ والمبالغة في ذلّ نفسه واستعجابا من ذلك .
-
لقد كان سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ عند قدومه إلى فاس لزيارة الشيخ رضي الله عنه يقدّمه للصلاة وإمامة المصلّين بالرغم من كثرة العلماء بمدينة فاس القرويّين . وكان سيّدي الحاج عليّ إذا قرأ سورة الفاتحة كان ينطق كلمة
الضَّالِّينَ
( الدّالين ) ، وتلك هي لكنته . فقدم أحدهم إلى الشيخ مستفهما إيّاه أيؤثّر ذلك على الصلاة ؟ وهل يصيبها ذلك بخلل مّا ؟ فأعرض عنه الشيخ قائلا له بهذه المقولة .
وقد كان الشيخ رضي الله عنه عند قدوم سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ يخرج لاستقباله رفقة خيرة أصحابه .
(5)
قوله رضي الله عنه :
" ما رأيت من هو أهل لذلك إلاّ سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ لو كان حاضرا " .
" وأين مثل سيّدي الحاج عليّ يا فلان ؟ "
1
(6)
قوله رضي الله عنه :
إنّ شعرة واحدة من ساق عليّ التماسينيّ ترجح بأربعين وليّا .
2
(7)
قوله رضي الله عنه :
" يا هذه ! إنّ هذا ليس بوصيف وإنّما هو شريف " .
" إنّك لصاحب مرتبة عند الله تعالى ، وما هذا التنازل
الذي أنزلت إليه نفسك ؟ أتريد بذلك أن
تستولي على سرّي وأنا لا أزال في حياتي ؟ "
3
(8)
قوله رضي الله عنه :
ما أطول عنق سيّدي الحاج عليّ ! أنظروا إليه !
أنظروا كيف يستطلع حالي !
4
-
سأل الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذات يوم سيّدي الطيّب بن محمد السفيانيّ على إحدى إمائه ، وقد كانت مريضة ، قائلا : " هل اشتريت لها الدواء " ، فقال سيّدي الطيّب : " يا سيّدي قد اشترينا لها عدّة من الأدوية فلم يظهر لها أثر ، ولعلّ الأوفق لها الكتابة " ، فردّ عليه الشيخ قائلا : " ومن يكتب لها ؟ " ، ثمّ قال مقولته الأولى .
بعدما قال الشيخ المقولة الأولى ، أردف سيّدي الطيّب قائلا : " وأنا أريد أن تأذن لي في ذلك يا سيّدي ، كلّ مَن أذِنْتَ له فهو سيّدي الحاج عليّ " ، فردّ عليه الشيخ رضوان الله عليه بالمقولة الثانية ، مكرّرا إيّاها عدّة مرّات حتّى أنّ السائل تمنّى أنْ لم يتفوّهْ بكلمة أصلا .
-
في أحد الأيّام لمح الشيخ الأكبر رضي الله عنه غيرة خفيّة من أحد أصحابه الأجلاّء من مرتبة سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ، وذلك راجع لما يلاقيه من تعظيم وإجلال وتقديمه على غيره من أفاضل الأصحاب ، فلمّا تحقّق الشيخ من ذلك ومن تلك الغيرة قال مقولته هذه .
-
جاءت ، ذات مرّة ، إمرأة إلى الشيخ وتحمل له معها وعاء من حليب ، فلمّا رأت سيّدي الحاج عليّ واقفا أمام باب الشيخ حسبته وصيفا وعبدا من عبيده فنادت عليه قائلة : " يا وصيف " ، فأجابها مسرعا : " نعم نعم "، فلمّا سمع الشيخ ما دار بينهما من حديث قال للمرأة المقولة الأولى .
ثمّ توجّه الشيخ رضي الله عنه بالكلام إلى سيّدي الحاج عليّ زاجرا إيّاه من إنزال نفسه وإذلالها من خلال المقولة الثانية .
-
لقد كان سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه إذا تغلّبت عليه نيران الأشواق وانغرست في جسده أشواك الاشتياق إلى الشيخ الأكبر فكان يرفع رأسه قليلا وهو مع أصحابه بزاويته بتماسين فيرى الشيخ وهو بفاس فيبصره الشيخ على تلك الحالة فيقول هاته المقولة .
(9)
قوله رضي الله عنه :
" مازلت بي يا تماسينيّ حتّى استطلعت عليّ
وأنا هنا بين أهلي ونسائي " .
" هذا عليّ التماسينيّ ، هو الآن ببلدة تماسين
ولكن الله أعطاه هذا " .
1
(10)
قوله رضي الله عنه :
" هذا فعل ذلك البهلول " .
" ما حملك عليه ؟ " .
2
(11)
قوله رضي الله عنه :
" إنّما هو مِن فعْل الحاج عليّ التماسينيّ "
" ما حملك على ما فعلت ؟ " .
3
(12)
قوله رضي الله عنه :
لو كان هذا الأمر بيدي لأعطيته لأولادي ، ولكن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم هما قدّماك له .
4
-
لمّا رأى الشيخ الأكبر رضي الله عنه في مرّة من المرّات سيّدي الحاج عليّ يطلّ عليه من إحدى الكوّات التي تطلّ على بيته ، وقد كان رضي الله عنه مع أهل بيته ونسائه ، ضحك ضحكا شديدا ، وقال المقولة الأولى ، مع العلم أنّ سيّدي الحاج عليّ كان بتماسين حينها .
وعندما سألته إحدى إمائه قائلة : " يا سيّدي مَن هذا ؟ " فأجابها بأنّه عليّ التماسينيّ ، فكانت المقولة الثانية .
-
كان الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه ذات يوم وهو في صلاة العصر ، وكان معه حوالي الثمانية من الأفراد بباب داره ، وبعد السلام ، وعند إعطاءه بوجهه للمأمومين ، إذ بعرجون تَمْرٍ يسقط بينهم . فاحتار الناس ودهشوا وتعطّلت عقولهم . فلمّا رأى الشيخ حيرتهم ودهشتهم قال لهم المقولة الأولى والتي يقصد بها سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ .
وعند قدوم سيّدي الحاج عليّ زائرا الشيخ سأله عن قصّة العرجون ، فأجاب بقوله : " يا سيّدي اعذرني ، فإنّي كنت في ذلك الوقت في حائط لي والخدام يجنون التمر ، فرأيت ذلك العرجون فأعجبني ، فتمّنيت أن يَصِلَ إلى دارك على حالاته ، فحملني ذلك أن رميت به وقلتُ : سِرْ حتّى تنزل بين يدي سيّدي " .
-
كان من مماليك الشيخ رضي الله عنه مملوكة اشتهت التمر في خاطرها وهي بدار الشيخ بفاس . فلمّا دخلت إحدى غرف الدار وجدت عراجين من أجود التمر ، فأخبرت الشيخ بذلك ، فقال لها المقولة الأولى .
عند اجتماع الشيخ بسيّدي الحاج عليّ سأله على ما حمله على فِعْلِ ذلك ، فقال سيّدي الحاج عليّ : " يا مولاي إنّ سيّدتي اشتهت التمر ، أفلا أوصله لها ؟ ".
-
قالها الشيخ الأكبر رضي الله عنه مخاطبا سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ لمّا كان جالسا معه ، وقد عنى بكلمة الأمر سرّ الخلافة العظمى .
(13)
قوله رضي الله عنه :
أمّا أنا فقد اخترتُ أولادي وارتضيت خلافتي لهم ، وأمّا
هو صلّى الله عليه وسلّم فقد اختارها بأن تكون في أهل فاس ،
وأمّا الله تعالى فقد اختار لهم سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ .
1
(14)
قوله رضي الله عنه :
" إنّ أمرنا هذا يتلقّاه حَيٌّ عن حَيٍّ مشافهة ،
وإنّما أنت الخليفة عليه مِن بعدي " .
" هذا حكم الله ورسوله " .
2
(15)
قوله رضي الله عنه :
" ها هو سيّد الوجود صلّى الله عليه وسلّم قد حضر معنا
في هذا الوقت فاطلب يا عليّ ما تريد " .
" أنت مقبول عند الله تعالى وعند رسوله صلّى الله عليه وسلّم ،
ومَنْ فرّق بيني وبينك فرّقه الله " .
3
(16)
قوله رضي الله عنه :
أوَأمَرَكَ بهذا سيّدي عليّ التماسينيّ ؟
4
(17)
قوله رضي الله عنه :
أنت لا تحضر موتي لأنّك وارثي .
5
-
سأل أحد خواصّ أصحاب الشيخ الشيخ رضي الله عنه عمّن سَوْفَ يكون خليفته من بعده نظرا لحالة الشيخ واقتراب المنيّة ، فأجابه رضي الله عنه بهاته المقولة .
-
عندما دنى أجل ارتحال الشيخ الأكبر رضي الله عنه دعا بسيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ، وكان حينها بفاس ، وكان بمحضر من أفاضل الأصحاب ، وقال له المقولة الأولى .
عندما قدّم سيّدي الحاج عليّ اعتذاره بعدم قدرته على حمل الأمانة قائلا : " إنّي لا أستطيع يا سيّدي حَمْلَه " ، فردّ عليه الشيخ رضي الله عنه بالمقولة الثانية ، وأنّ هذا حُكْم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم . ثمّ استأذن كلٌّ مِن سيّدي الطاهر بن عبد الصادق القُماري وسيّدي أحمد بن سليمان التغزوتيّ ( مِن سُوفْ - الجزائر ) في مبايعة سيّدي الحاج عليّ فأذِنَ لهما في ذلك .
-
كان سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ جالسا مع الشيخ الأكبر رضي الله عنه في أحد أيّامه ، فقال له الشيخ المقولة الأولى . فلمّا علم سيّدي الحاج عليّ أنّ أبواب النفحة الإلهيّة قد فتحت له قال : " لي يا مولاي ثلاث مطالب . أطلب منك الغِنَى في الدارين لأولادي ، وأطلب منك أن تكون همّتي الباطنة ممدودة إلى آخر الزمان ، وأطلب منك أن يكون السرّ الإلهيّ الصحيح جَارٍ في أهل داري ما دامت داري قائمة " .
وعند وقوع القبول والارتضى لمطالب سيّدي الحاج عليّ ، قال الشيخ الأكبر مقولته الثانية .
-
في إحدى زيارات سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ إلى الشيخ الأكبر رضي الله عنه وهو في فاس ، وكان معه رفقة ، فلمّا دنوا من حاضرتها قال سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ لسيّدي عليّ بن حْنِيشْ القُماريّ السوفيّ : " يا فلان نحن الآن داخلون على حضرة سيّدنا القطب الأكبر ، وإنّي أوصيك إذا أنت قابلت ذاته الشريفة فأسْرِعْ إليه فقبّلْهُ في جبينه فيما بين عينيه ثمّ قَبِّلْ لحيته " . فلمّا رأى الشيخ ذلك من سيّدي عليّ بن حنيش سأله : " هل أمرك سيّدي عليّ التماسينيّ بذلك ؟ " ، فقال : " نعم يا سيّدي هو مَن أمرني أن أقبّلك على هذه الكيفيّة " ، فسكت الشيخ رضي الله عنه .
-
عندما حضرت المنيّة الشيخ الأكبر أمر سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ بعدم المكوث بفاس والخروج إلى جبل العلام إلى غاية خروج روحه الكريمة ، ففعل سيّدي الحاج عليّ ذلك امتثالا لأمره رضي الله عنه ، ولم يدخل فاس حتّى دفن رضي الله عنه .
الخـاتمـة
إنّه لمن جليّ الفهوم والمعاني ، والتي لا تحتاج إلى تدبّر ولا إلى إمعان ، أنّ أقوال السادة الأخيار والعارفين الأبرار ، احْتَوَتْ على لآلئ لا يدرك فحواها ولا يلمس معناها إلاّ من أعطاه الله تعالى النباهة والفهم والبصيرة ، كما أنّ هؤلاء السادة الفضلاء تركوا للأمّة من الأقوال ما يُجْلَى به الران ، وحكما تزيل عن العقول الغشيان ، تصوّرتْ صدفا محتوية على أنفس وأغلى اليواقيت والمرجان ، فكانت ملاذا لكلّ من انتمى سواء للإنس أو الجانّ .
إنّ الشيخ الأكبر رضي الله عنه ترك من الأقوال ما لا يعدّ ولا يحصى في مختلف العلوم العقليّة والنقليّة ، ثمّ إنّه ترك نوعا آخر من القول أراد من خلاله إبراز مقامات ومكانة من كان لهم قرب عند الله تعالى ، فأشار بالقول أيّ إشارة ، وصرّح به أيضا أيّ تصريح وإقرار ، فتارة يعطي إيحاءات وتلميحات ، وتارة يعلن ويصرّح بالجهر والتصريحات ، ولعلّ من هؤلاء السادة الذين تكلّم في شأنهم الشيخ أو تكلّم معهم وترك لنا نصيبا وافرا من القول الذي ينير لنا الدروب ، ويظهر لنا مكانتهم ومرتبتهم لكي تنطبع محبّتهم في العقول والقلوب ، هو السيّد الشريف العفيف سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ رضي الله عنه .
ومن الآكد أنّ مثل هاته الأقوال المدوّنة والموثّقة تضع الباحثين على محكّ الحقيقة ، ونقطة الانطلاق والارتكاز إلى آفاق الطريقة ، وذلك بالبحث والدرس والتمكين من الوصول إلى حقائق ونتائج يمكن وصفها بالملموسة ، فهي تعين على دراسة تاريخ الطريقة من جهة ، والتعرّف على نوعيّة التعامل والعلاقة التي كانت سائدة بين الأفاضل من جهة أخرى .
النتائج
إنّ لكلّ موضوع بحث لا بدّ وأن يخلص صاحبه إلى نتائج ، ومن هنا فإنّ من أهمّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها في هذا الموضوع نذكر :
- أنّ النظر والتطرّق إلى أقوال السادة له من الأثر الكبير ما لا يجحده جاحد وفي مختلف المجالات .
- أنّ التطرّق إلى أقوالهم يؤدّي إلى الغوص في كتب التراث وبحار التأريخ والبحث .
- التعرّف على شخصيات وعلماء عاصروا الجناب العظيم وكذا الأمكنة والمدن والبلدان التي كانت حواضر أو قرى في ذلك الزمن .
- تؤدّي إلى التعرّف على جغرافية وحدود البلدان في ذلك الحين والسلاطين وأمراء الأقاليم .
- أنّ من أقوال الشيخ رضي الله عنه ما توشّحت بوشاح الزجر المنضوي تحت عنوان التربية .
- من أقواله رضي الله عنه في حقّ التماسينيّ ما انطوت على إبراز مرتبته ومكانته .
- منها أيضا ما كان موجّها صراحة لشخص سيّدي الحاج عليّ التماسينيّ ومنها ما كان عنه بظاهر الغيب .
- من الأقوال ما كان الشيخ الأكبر رضي الله عنه يومئ إلى مكانة سيّدي الحاج عليّ بالنسبة إليه ، ومنها ما كان يلمّح إلى مكانته من الحضرة العليّة .
- من الأقوال ما نلتمس بها إخلاص النصح والتربية من الشيخ إلى سيّدي الحاج عليّ ، ومنها ما نلمس بها نبرة الأمر والنهي والزجر .
- من الأقوال ما نجد الشيخ رضي الله عنه يظهر مكانة وارثه أمام كمّل أصحابه ، إمّا زاجرا لهم عن بروز نوع من الغيرة منهم ، أو إعلامهم وإشارة لهم عن علوّ كعبه ومقامه ومرتبته واستخلافه وحمله لسرّه العظيم .
التـوصيـات
إنّه كما لكلّ موضوع أو بحث نتائج وملاحظات ، فإنّ منه كذلك يخرج الباحث في غالب الأحيان بتوصيات تفيد الباحثين والدارسين ، وخصوصا المهتمّين بهذا النوع من المواضيع والبحوث ، وتكون لهم كنبراس ينير لهم دروب البحث والدرس ، وكنقطة انطلاق وارتكاز لإكمال المسيرة التي كان قد بدأها من سبقهم . ولعلّ من أهمّ التوصيات التي كنت قد خرجت بها من هذا الموضوع هي :
- تمكين الباحثين والمهتمّين من كتب التراجم والسير خصوصا والتي تخدم مثل هذا النوع من المواضيع .
- طباعة وإعادة طباعة كتب الطريقة المخطوطة منها والمطبوعة لأجل انتشار أكبر وتسهيل بلوغها للمهتمّين .
- القيام بأيّام دراسيّة وندوات حول أقوال شخصيّات لها الأثر الواضح والكبير ، وبصمات خالدة في الطريقة التجانيّة لأجل الرفع من مستوى البحث ، ومنها إلى اكتشاف نقاط جديدة تخدم الجناب .
- القيام باستخراج أقوال كلّ شخصيّة من الشخصيّات التجانيّة المؤثّرة من كلّ كتاب ، ومنها إلى إنشاء معجم لأقوال السادة التجانيّة .
- محاولة دراسة الأقوال المستخرجة من الكتب لكلّ شخصيّة تجانيّة على حدى .
الأستاذ : مراد بن ناصر