نفحات7 ـ البترول : روح الحضارة العصرية ـ مقدّمة
الرّئيسية > عصـرنـا > البتـرول : روح الحضارة العصريـة > مقدمة



مقدّمة

إنّ الإزدهار الحضاري المعاصر الذي نلمسه في كل الميادين يرتكز على الطاقة البترولية ، وتعطيك النظرة الشاملة والفاحصة لمسار الحضارات عبر التاريخ الفرق الشاسع بين نتاج الطاقة العادية المتمثلة في قوة العضلات الإنسانية والحيوانية ، وبعض القوى الطبيعية كالريح والماء ، وبين نتاج وسائل التقدم والرفاهية منذ بعض العشرات من السنين . ويتجلّى كنه الفارق في السرعة المذهلة في الغوص بأعماق أسرار الطبيعة ، وسعة آفاق الإمكانات في تحقيق ما كان يُعَدّ من ضروب المستحيلات .
انظر حولك ، في غرفتك أو مكتبك أو في الشارع الذي تسير على رصيفه . هذا الكمّ الهائل من المنتوجات ابتداء من الجدران والبلاط إلى الطائرة التي تجتاز الفضاء فوق رأسك ، مرورا بكل ما يقع في مجال بصرك ، كله تقريبا وُلِدَ من رحم الطاقة البترولية .
من يكون هذا المارد المتفَلِّت من قماقم كانت إلى زمن قريب محكمة الإغلاق ؟ ما قيمته الحقيقية ؟ ومن أين استمدّ هذه القوّة ؟ وأين يختبئ ؟ تخيّلْ أنّ مسافرا يقطع الصحراء القفرة ، ويحرص أشدّ الحرص على ألاّ يضلَّ طريقه ، ولا يبذّر ماءه وزاده ، ويقتصد في قوّاه من أجل أن لا يهلك تحت الشمس المحرقة . ولو يعلم هذا الراحل أنّ تحت قدميه عند كل خطوة ، وعلى أعماق كبيرة ، كنزا يستطيع به شقّ نهر عذب يترقرق من مكان انطلاقه إلى المكان المقصود .
وتصور أنّ بحارا يصارع الأمواج على سفينة ، ويترقّب ريحا طيبة مناسبة لأشرعته ، ويرى الرّدى عند كل زمجرة للماء ، وهو لا يدري أن ما وراء القاع ثروات تبني له جسورا متصلة إلى برّ الأمان المنشود .
شلالات من الذهب والفضة والورق تتلاطم بين حنايا القشرة الأرضية ، كم غيّرت من خارطة وفكر وقناعات ، وكم كانت مفاتيح لأتون من الأزمات ومظالم وعداوات ، وذرائع لتدبيرها واختلاقها . لكنها ـ أيضا ـ كم كانت أبواب خلاص ، وثغرات فَرَجٍ ، ووسيلة للعيش الكريم .
نَعَمْ ، إنه البترول وصنوه الأصغر الغاز ، وما اكتنف ولا يزال يكتنف حقيقتهما من غموض وألغاز .

تكوين البترول   >>