بقلم :
محمود سلطاني
الإتقان ثمرة التخطيط ، وكلّما ارتفع إحكام التخطيط ، إرتفعت درجة إتقان العمل باطّراد ، وأعطى النّتائج المرجوّة منه على جميع المستويات الماديّة والمعنويّة .
لو سأل كلّ واحد فَشِلَ في تحقيق هدف من أهدافه نفسه : لِمَ فشلتُ ؟ ثمّ شرع يبحث عن الخلل ، لَوَجدَ أنّ النّسبة الرّئيسيّة في فشلِه هو عدم التّخطيط . فالطّالب المتعثّر في دراسته ، والتّاجر الذي خرج من تجارته بدون طائل ، والمتذمّر من سوء سلوك أولاده ، والمشتكي من تصميم بيته الذي شيّده ، أو فساد عطلته ، أو إهدار وقته الخ... ، مرّوا أثناء إنجاز مشاريعهم بغير سبيل التخطيط ، وسلّموا أزمّة أهدافهم إلى مرحلة ارتجال ، أو تهاون ، أو غفلة ، لا مبرّر لها .
وكلمة التخطيط جارية على كلّ لسان ، ولها وقْعٌ شجيّ على الوجدان والعقل معاً ، مقبولة الذّكر من الجميع ، لكنّ ذلك في جلّه واقع بالقول وفي الأماني ، وإن وقعَ فلا يكاد يمسّ سوى الخطوط العريضة من الهدف ، التي هي أقرب إلى أدنى الضّرورات . أمّا ما عداها فهي فوضى وتسيّب ، وأكداس من الأخطاء الفنّية لا تورّث إلاّ خيبة الأمل .
ليس التخطيط نزوة نفس صفا مزاجها لفترة ففعلته استمتاعا ، لأنّه استمتاع يعقبه خبو ، وما بعده إلاّ الرماد ، وهو كذلك ليس موضة جهّزها الغير لمآربه فاغتنمناها فرصة نحاكي بها المتحضّرين ، ونتباهى بها على المتخلّفين . إنّ التخطيط علمٌ وفنٌّ ، له قواعده وأسسه ، ولا يعطي أقصى مردودية له إلاّ إذا تحوّل إلى ثقافة وتقليد واسع النطاق ، راسخ رسوخ المعتقدات . هو عمل ، وتربية ، وتجربة ، ورياضة ، وهو بالقياس إلى المجتمعات معيار دقيق لمدى التحضّر ، والجديّة ، والتطلّع إلى الأحسن .
كلامي اليوم عن التخطيط الفردي البسيط الذي لا يحتاج إلاّ إلى عقل عاديّ موضوعيّ ، وإلى نسبة من الرّزانة تسمح بمنع كلّ حركة قبل التفكير . وقد يفسح الله تعالى في العمر وفي الوقت فنتحدّث عن التّخطيط المعقّد نسبيّا ، ودوره في في إحداث هذه القفزة الجبّارة للحضارة ، وفتح أبواب التقدّم والسّيطرة أمام بعض المجتمعات والشّعوب في العالم .
كيف نخطّط
التخطيط - كما يدلّ عليه اسمه - هو إعداد واستعداد مسبق لتحويل فكرة مشروع من حالة النظر إلى حالة الوجود الموضوعي . هو ترك أثر لا يمحى على ورقة ، أو لوح ، أو سبّورة ، لوقتٍ كافٍ لتدبّر تفاصيل المشروع ، وتصوّر تفاعلها مع بعضها البعض ممّا يعسر وقوعه اعتمادا على الذهن والذّاكرة فقط .
قـاعـدة
إحضار ورقة وقلم ، واختيار المكان الهادئ ، المساعد على التركيز .
قد يستخفّ البعض بمسألة الورقة والقلم ، لكنّنا نتمسّك بها لأنّ فائدتها تكمن أوّلا في ضمان حفظ نتائج الإستنتاجات الكثيرة التي لا يمكن أن تبقى كلّها عالقة بالذهن ، وثانيا في شمولية الرّؤية المساعدة على تعديل دور كلّ جزئية بالنسبة لبقية الجزئيات في كلّ مرّة يلاحظ المعنيّ أنّ الإنسجام قد اختلّ ، أو أنّه لا يزال منقوصا .
مقوّمات المشاريع
المشاريع ألوان وأشكال وذات طبائع لا حصر لها ، ووسائل إنجازها كثيرة ومختلفة ، لكنّها كلّها تشترك في مقوّمات لا مفرّ من توفّرها كي تنجح . إنّها - في نظري - أربعة عوامل رئيسية :
- الموضوعية
-
صفة يجب أن ترافق جميع مراحل إنجاز المشروع . إنّها الصّدق مع النّفس في تقييم الممكن من قدراتك الماديّة والمعنويّة كي تنطلق مرتكِزاً على قاعدة صلبة ، وعلى بيِّنة من أمرك ، لا تخشى أن يفاجئك مجهول أثناء تقدّمك .
- الوقت
-
ونقصد به تحديد الوقت الإجمالي لتنفيذ المشروع ، وكذلك أقساط التّوقيت وفقا للمواعيد والمراحل .
- المرحلية
-
وهي تقسيم المشروع إلى مراحل حسب طبيعته وظروفه الخاصّة ، قصد إلقاء نظرة فاحصة على ما أُنجِز عند نهاية كلّ مرحلة ، وإدخال ما يجب من إصلاحات قبل التوغّل أكثر . وهي - أيّ المرحلية - ضرورية لتخفيف حمل العمل ، والتّرويح عن النفس .
- الجدّيّة
-
وهي تناول جانب المشروع المطلوب إنجازه من غير تشعّبٍ أو خروجٍ عن الموضوع . وهي أيضا النّفَس الطّويل المصحوب بالتّعب وتوطين النّفْس عليه بشيء من الصّبر .
وتبقى - طبعا - تفاصيل التّطبيق الخارجة عن الحصر والتصنيف ، لكنّها جوانب غير مستعصية إذا تمّت السيطرة الحقيقية على النّقاط الأربع المذكورة .
تطبيقـات
وسنقدّم الآن أمثلة تطبيقية جاهزة لبعض مناحي نشاطات النّاس ، قابلة للإستعمال . ولا يخامرنا شكّ في أنّها ستعطي نتائج مضمونة بإذن الله إذا أخلص منفّذوها ، وكانوا فعلا في مستوى حسن الظنّ الذي نعهده في الكثير .
- مخطّط لمراجعة الدّروس ، والتحضير للإمتحانات .
- مخطّط تعلّم لغة