أيّ خطر يخطر وأيّ ضرر يُنتظر | | وأيّ نص يُعطّل بما زعمتم أنّها إحدى الكبر |
إذا اعتقدنا أنّ صلاة الفاتح ليست من كلام البشر | | وأنّ البكري أُلْهِمَهَا على حدّ موافقات عمر |
وإذا قلنا ببقاء وحي الإلهام دون التشريع وعمومه فبماذا تنكرون |
فهل تَلَوْتُم آية في الكتاب المجيد | | أم هل رَوَيْتُم حديثا في صحيح الأسانيد |
أم هل سمعتم قولا لِمَن يُعْتدُّ به في التقليد | | أنّ الكلام الإلهي لا يسمعه من دون الأنبياء من العبيد |
فَوَحَق وَحْيٍ جاء إلى أمِّ موسى إنكم لا تجدون |
ولئن تعلّقتم من آية الأنعام 1 بسببٍ وَاه | | وظننتم بها لدعواكم الإتجاه |
فقد خالفكم الحق وحالفكم الإشتباه | | ولو تأمّلتم لانتبهتم وأنّى للمُغرِض انتباه |
إذ محط الذم جملة الحال ودعوى المماثلة في الإنزال لو كنتم تعقلون |
ونَجِدُ في كتاب الله ثبوت ذلك لغير الأنبياء | | فقد أَوْحَى اللهُ إلى أمّ موسى 3 وأرسل رسولا للعذراء4 |
وجاء في السُّنّة أن الأمة فيها محدثون5 |
وما التحديث إلاّ سَمَاُع الكلام القديم الذي أنكرتم | | وبه فُسِّرَتْ موافقة الفاروق للتنزيل كما علمتم |
فإن قُلْتُمْ ما بلغ أم الكليم وأم المسيح كلام الله فقد أقررتم | | وانتقض حصر ذلك في الأنبياء كما زعمتم |
وإنْ أصررتم على الإنكار فأنتم مكابرون |
وأيضا فمِنَ المعلوم أنّ الملائكة عليهم السلام | | هُمُ السفراء في تبليغ الكلام القديم للأفهام |
وأثبتَتْ آية فصلت 6 تَنَزُّلَهُم بالبشارة على منِ استقام | | وقرّرَ المفسرون انقطاع وحي التشريع وبقاء وحي الإلهام |
وهاؤم اقرأوا كلامهم إن كنتم تمترون7 |
إذْ اثبت وقوع الوحي لغير الأنبياء لا تشريعا بل للتّكريم8 | | وأثبت الكتاب أن الوحي من طرق بلوغ الكلام القديم |
وأخبر بوقوع هذا الجائز عَدْلٌ كالإمام التجاني وقوبل بالتسليم | | فلماذا يستند النافي وللمثبت التقديم |
لقد جئناكم بالحق ولكنّ أكثركم للحق كارهون |
وشرط اعتقاد ذلك في تحصيل فضلها لمن نوى | | معقول لِلُزوم تصديق الرّاوي في جملة ما روى |
والراوية شملت فضلها ونسبتها للكلام القديم على السوا | | لذلك كان الأخذ بأحدهما وإطراح الآخر تحكيم للهوى |
ويستلزم تكذيب المأخوذ به إذ هو رواية مطعون |
إن بقي لكم مطعن في هذا الموضوع باديا تحسبونه | | في تشبيهها بالقرآن والحال أنها دونه9 |
فما لكم من حق في ذلك تعتمدونه | | إذ ليس التشبيه تامّا كما تظنونه |
وما هو إلاّ في النسبة لا في الفضل والإعجاز فما لكم كيف تحكمون |
وإن أشكل ما نقل من معادلتها بالقرآن فسَنُبَيِّنه | | بأنّ ذلك إنما هو في حق من لا يحسنه |
بدليل أنّ الشيخ 10 شدّد الوصية به على من يتقنه | | وللتالي حال وآداب ورُبَّ قارئ والقرآن يلعنه |
فَلأَِمْثَالِ هؤلاء طريق صلاة الفاتح مأمون |
هذا وأما نيل شيخنا رضي الله عنه أربعين من مقامات الأنبياء | | فلا ينكره أو يكبره إلاّ من هوى في أسفل دركات الأغبياء |
وصادم صريح " وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " | | وغفل عن براهين الجواز والوقوع الساطعة الضياء |
ونسي أنّ عموم الأمة أوتوا ما لم يؤت المرسلون |
فضلا عن كونهم ساووهم في بعض المقامات | | فكانوا شهداء على الأمم مثل الرسل في الميقات11 |
وبِأيّها12 خاطبهم ربهم مثل الرسل في قوله كُلُوا من الطيبات | | وثبتت الرفقة 13 والمعية 14 لأهل الطاعة والمحبة بالسُّنَّة والآيات |
ونالوا من الخصائص الخمس 15 ما لم ينل موسى وهارون |
وأما مسألة نصب المنبر | | والتنويه بشيخنا رضي الله عنه يوم المحشر |
والنداء بأنه المُمِدّ الأكبر | | فما لها من منكر إلا من تسرع للمنكر |
فاحْث في وجوههم تاليا " أم يحسدون "16 |
إن كان أصل المسألة عَسر على أفهامهم | | فليقرأوا إن شاءوا " يوم ندعو كل أناس بإمامهم "17 |
وجاءت السنة بنصب المنابر للمتقين تنويها بمقامهم | | وإن كان ثبوت ذلك للشيخ رضي الله عنه هو مثار قيامهم |
فهو إمام 18 للمتقين 19 وإن رغم الجاحدون |
ولقد أثبت الشيخ الأكبر سليل حاتم20 | | تلك المناقب الشم لِمُحْرِزِ مقام الخاتم |
فلما نال شيخنا ذاك المقام غير مزاحم | | كان مصداقا لتلك المواهب والمراحم |
أفعجبتم أن يؤتي الله عبده بعض فضله أم ماذا تنكرون |
وإن كان الإنكار للمصطلحات من الإمداد والفيض | | فإنه بين القوم أمر مستفيض |
ولهم فيه الكلام الطويل العريض | | وهم الذين رفعوا قواعد قضاياهم فما ثبت لها من نقيض |
ونبحتهم شذاذ في مختلف العصور لم يفهموا ما يقولون |
فماذا نقمتم فيما سمعتم | | وأيّ أصل من الدين يصادم ما أنكرتم |
وبأيّ كتاب أم بأية سُنّة حكمتم | | أم دور من قبلكم مع الغزالي أعدتم |
حيث أفتوا بحرق الإحياء وجئتم على آثارهم تهرعون |
على أنك تراهم سراعا إلى التخطئة إذا حكم نظرهم بأنّ الكلام غير مستقيم | | وكم عائب قولا صحيحا وآفته الفهم السقيم |
فإن تعلم ففوق كل ذي علم عليم | | وإن لم تر الهلال فانزع إلى التسليم |
ولا تنازع من هم له مبصرون |
ربنا إنّا نعوذ بك أن نعادي من واليتَ | | أو أن نَمَسَّ كرامة من أعْليت |
فلا تجعلنا اللهم ممن لهم أمليت | | الساخرين بمن اصطفيت من عبـادك وتولّيْتَ |
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنّا إليك راغبون |
، صدق الله قوله ووعده ، وبفضله وقفنا عند ما حدّه لمّا نزغ الشيطان بيننا وبين إخوتنا من أبناء المِلّة ، وبُنَاة صفوفنا ، وُجَّاه القبلة الذين نقاسمهم الإيمان بالغيب ، والتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا ريب ، إذ أوْجَسُوا خيفة علينا من المروق ، فراموا النصح ولكن قلبوه إلى عقوق ، وشرعوا نحونا أسِنَّة الأقلام حدادا ، واستمدوا من سواد الظلم مدادا ، وغضبوا غضبة يحتسبون فبها عظيم الأجر ، فاللهم ربنا علمت حسن نياتهم فكفِّر عنهم ما اكتسبوا بذلك من الوزر ، واشرح صدورهم للرشد ، ونَقِّهَا من الغِلّ والحقد لمن لم ينقض إيمانا ، ولم ينكث أيمانا ، ولم يبسط لهم بالسوء لسانا ، ولم يُسَمِّهِم ظلما ولا عدوانا ، وما نقموا منهم إلا أن اختاروا للاقتداء إماما ، يعرفون نَسَبَه ودينه وصِدقَه وأمانته وفضله ، يأمر باتّباع الشرع ، ويحضّ على مكارم الأخلاق ، وينهى عما نهى الله عنه ، ويجمع الناس على ذكر ربّهم ويجعلهم من المتحابين فيه ، ويبشرهم ببشارات يتسع فضل الله لأضعافها ، ويحذرهم من نكث العهد ولبس حلة الأمان من مكر الله . نُشِر أمره في عاصمة من عواصم العلم والسلطان حيث الشرع قائم ، والحدود غير معطلة ، والناس على دينهم أشحّ ممّن نرى . فما كان من أولئك السابقين إلا الإعتراف بفضله ، والإغتراف من وبله ، وما كان من خلفهم إلا اقتفاء آثار ذلك السلف ، حتى لم يمض يوم إلا وأصحابه يزيدون ولا ينقصون ، لم ينكث واحد منهم عهده سخطة لطريقه ، ولم ينتقصهم سوى شُذّاذ بغير بيِّنة من ربهم أوسعوهم طعنا بجهالة ، ورموهم بالإبتداع والضلالة ، وشتموهم بضعف العقول والنذالة ، وكل ذلك خارج عن حدود الآداب كما يعقله العالمون . ولو تناجوا بذلك أو تنادوا به فيما بينهم لكان لغطهم ضائع الصدى ، ولكنهم عمدوا إلى رجل عهدناه ذا منزلة بين المحررين والعلماء المتثبتين ، والمستمسكين بآداب وأهداب الدين ، فأغاظوه بما زوّروه حتى غاب عنه الرأي الرشيد وأظلم عليه المنار وجاراهم فيما يأفكون . هناك رأيت أنّ السكوت لم يعُد من ذهب ، وأن حق النصيحة قد وجب ، فكاتبت الأستاذ السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة " المنار " الإسلامي بالمكتوب الموالي ، ولا رجاء لي فيه إلا إصلاح ذات البيْن بينه و بين من أساء إليهم ، وتناول من عرضهم بغير حجة تغني عنه يوم ينادَى
، إذ هو ممن لا يستهان بنسبه وحسبه ، وهو خليق بأن يسمع دعوة الحق فيستجيب ، وما خطر لي أني سطرت ما سطرت بقصد الجدال لعلمي مثلهم أنّ فتح باب الجدال بهذا الأسلوب عقيم الإنتاج . أما الدفاع عن جانب شيخي سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه فأنا أحقر من أن أبرز لميدانه ، وهو أقرب ناصرا وأعز نفرا ، ومن آمن بقوله تعالى :