يقول مؤلف الرسالة ، وكاتب العجالة ، لقد أُلقِيَ إلَيَّ منذ أشهر عَدَدٌ من جريدة النجاح التي تُطبع بقسنطينة به فصل عنوانه : " غيرة علماء القرويين على الدين " ، ونصه ما يأتي : " حدث عندنا بفاس أن جلالة السلطان ـ نصره الله ـ كتب إلى رئيس المجلس العلمي بالقرويين أنّه ظهر تأليف في عالم المطبوعات من المُسمَّى محمد النظيفي السّوسي المراكشي ذَكَرَ فيه صاحبه المذكور : " أن صلاة الفاتح ، التي هي من أوراد الطريقة التجانية ، أنها من كلام الله القديم وليست من تأليف مخلوق " ، وقال فيه : " أنها من أفضل الأذكار " ، وأمَرَ جلالة السلطان بجمع المجلس العلمي ، وكل مَنْ ينتمي للعلم بفاس ، وأحضروا التأليف المذكور ، فوجدوا فيه ما ذكر كما ، أحضروا كتابي الياقوتة للمذكور أيضا ، فوجدوا فيه في مدح شيخه سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ما يأتي .
وفـي الجـنـة العليـا أربـعـون مـن
ينـادي بـه في الحشـر هذا إمـامكـم
وفضـلـه فاعـتـقـد على الكـل أنـه
فعينـه عيـن العينـي فـافهـم إشـارة
مقـامـات أنبـيـاء من غيـر ريـبـة
وهـذا مُـمِـدُّكُـمْ بأعلـى المنـصّـة
كشمـس الضحـى وهم كـواكـب ليلـة
ومِـنْ فيـضِ سـرِّه الأنـام استمـدت
فكتب علماء فاس فتوى أجمعوا فيها على أنّ الكلام المذكور نظيره ممّا في الكتابين المذكورين ضلال مبين ، وإفْكٌ كبيرٌ :
، وأن هذا المتغالي زاد تحيّلا على جمع العامة واقتفائهم إيّاه بتشكيل عطره الفائح على هيئة دلائل الخيرات ، لأغراض يَعْلَمُها عالم الخفِيَّات ، وصار متهاترا متهوّرا من حيث لا يشعر ، أو ما علم أن ما تفوّهَ به عداوة لكلام الله ، فما لقياسك أيّها المتجرِّئُ مِنْ نتيجة ولا اقتباس ، وما لفضيحتك العظيمة من شك ولا التباس ، وما لإشارتك التي أمرْتَ بفهمها من معنى ولا إشارة ، وما لِفَحْشِ قولِك مِنْ نظافة ولا طهارة ، إلى أن قالوا ، بعد تقرير الحكم الشرعي وجلب النصوص المؤيدة لذلك : " فبَانَ من هاته النصوص كلّها وجوب تغليظ الزجر على الرجل ، وحسم مادة تلك الكتب المحتوية على هاته المقالات المبتدعة ، التي ما أنزل بها الله من سلطان ، بإحراقها
" ، والفتوى مؤرخة في 29 رجب الفارط ، وأول مَن أمضاها شيخ الجماعة بفاس ورئيس المجلس ، الشيخ أحمد بن الخياط ، ثم قضاة فاس : الفقيه العراقي ، والفقيه البناني ، والفقيه العربي ، ثم بقيّة علماء فاس ، وهي مذيلة بأكثر من مائة إمضاء من سائر علماء فاس ، حتى من فقراء الطريقة التجانية . وقد أُوتِيَ بالنظيفي المذكور هاته الساعة للرباط للإستنطاق ، وإجراء اللازم في القضية ، وهذه همّة تُذكَر فتُشكَر لجلالة السلطان ، وخدمة للدين والشرع قام بها علماء فاس الخ .
وبالتأمّل
فيما بين سطور هذا الفصل ارتبتُ الخبرَ لظهور كون المخبر مغرضا كما يُفهم من العنوان ، ونقله شتائم الأستاذ النظيفي دون أن ينقل النصوص التي استندت إليها الفتوى ، ولَهْجَةُ المكاتبة تُفِيد الإطّلاع عليها . وممّا أكّد ارتياب الخبر ما نسَبَه للأحباب التجانيين من أهل فاس من الموافقة للقائمين الناقمين ، وحاشاهم أن يَبْرَأوا مِن قولٍ صَحّ سنده لأستاذِ الجميع ، وهو عقيدة كل مَنْ تمسّك بِورده ، والبراءَة منه براءَةٌ مِنْ قائله ، ولن يغني عن منكره ظاهر الإنتساب . على أني قد قدّرت أنْ لو كان للمسألة أصلٌ لكان في الإمام النظيفي كفاية للقيام بحجّته ، وفي علماء فاس ـ حماها الله بهم ـ حُماةً للحق ودعوته . غير أنِّي كنت منتقدا فتح هذه المسالة وأشباهها في الجرائد السيارة من الوجهتين الدينية والصحافية . أمّا الأولى فلِمَا يقتضيه الحجاج مِنَ الإستشهاد بالحديث والآيات ، وليست الصحف بمكفولة الوقاية ، بل هي في الغالب معرضة للتّلاشي والإمتهان . وأما الوجهة الصناعية فإنها إنّما أنشئت لنقل الأخبار وإرشاد المجتمع إلى إصلاح اجتماعه من حيث الأخلاق والإقتصاد ولم تنشأ للمناقشات المذهبية ، بل ربما أضاعت الصحيفة على قرّائها كثيرا مما يَهُمّهُمْ في سبيل الإشتغال بمناقشة لا تهمّهم نتيجتها . لذلك كنت أربأ بمثل تلك التحريرات على الصحف ، وأنتقد من يلجئها لذلك ، اللهم إلاّ إذا كانت مجلة دينية فإنّ هيئتها تدلّ على حفظ ما فيها ، وعنوانها يُفيد اهتمام قرّائها بذلك النوع من التحرير . ولقد رأيت بعضا من طلبة القطر الجزائري يتهافتون على الجرائد بأمثال تلك النشريات ، فَهُمْ تارة يطعنون في عقيدة تصرّفهم في الكون ، وتارة يجوِّزون عليهم مخالفةَ الشرع في أقوالهم ، ويسهّلون ذلك بأنه يقع منهم غفلة أو خطأ حيث لم يكونوا معصومين ، وكثيرا ما كنتُ أسمع إنكار المسألة مِنْ أصلها ، والتنديد بمن يعتقدون ، ويظنّون أنهم أصابوا الحجّة ، واستقاموا على المَحَجّة ، وأَلْزَمُوا الخصوم الوجوم ، ولقد أخطأوا ، فغيرهم يَرَى عدم المجاراة حزماً ، والإعراض عن ذوي الإعراض حتماً .
ولمّا شَرَّفَ الحاضرةَ التونسية خليفة الطريقة التجانية بلا نزاع ، وإمام الطائفة الأحمدية في سائر البقاع ، شريف الجدّيْنِ ، وحفيد القمرين ، بدر عين ماضي وفحل تماسين ، سليل الخلفاء السادة ، وتاج أهل الفضل والمجادة ، مولانا الشيخ سيّدي محمد العيد نجل الكوكب المنير ، العَلَم الشهير ، مولانا الشيخ سيدي البشير التجاني ، عليه وعلى سلفه ، وكواكب حضرته بُرد الرضا سابغة الذيول ، وكنتُ في جملة مَنْ حُظي بالمثول لديه ، والسلام عليه ، وبقيتُ له من جملة الرفاق ، ولازَمْتُ مجلسه بالعشِيِّ والإشراق ، أطلعني رضي الله عنه على مكاتيب وَرَدَتْ إليه من المغرب تُكَذِّبُ ما ورد في رسالة المكاتب من التهويل ، وتبيّن أن الإنتقاد قد وقع ، لكن ممّن لا شأن له ، وأنهم راموا حمل الجلالة السلطانية على هواهم فعصمه الله ، واطرح أذاهم ، فرَكَدَتْ ريحُهم ، وأُلْقِمَ الحجر فصيحهم . ومع ذلك فقد اقتضى نَظَرُهُ السعيد ، وفكره السّديد أنْ يُسنِدَ إلَيَّ أمرَ الكتابة في المسألة ، فلَمْ يكن بُدًّا مِنَ الإمتثال ، وإنْ لم أكن من فرسان ذلك المجال ، خصوصا والحق أحق أن يُقال ، ونصرة الإخوان واجبة على كل حال . فوافَيْتُهُ بها على مقدار ما أستطيع ، فإن تكن لله رضاء ، ولمقصد الأستاذ أداء ، فذلك نِصاب السعادة والهناء ، وإلاّ فالخيرَ أردتُ ، والدفاع عن أهل الله قصدت ، وهُمُ القوم لا يشقى جليسهم و لا يخيب ، وأستغفر ربّي ثمّ أتوب إليه إنّ ربّي قريب مجيب .
بسم الله الرحمن الرحيم أبارك ابتدائي | | وله الحمد و الشكر و إليه دعائي |
وعليه أعتمد في تحقيق رجائي | | إنه عُدّتي في شدتي و رخائي |
عليه توكلت وعليه يتوكل المؤمنون
|
تبارك الله وحده | | نصر عبده |
وأعزّ جنده | | وهزم الأحزاب و حده |
وسبقت كلمته أن جنده هم الغالبون3 |
أبرأ له من الشرك ورجسه | | وأشهد له مخلصا بما شهد به لنفسه |
وقامت له به ملائكة قدسه | | وتَعَبَّد به العالم من جِنِّهِ وإنسه |
لا إله إلاّ هو سبحانه وتعالى عما يشركون4 |
وأشهد أنَّ سيدّنا ومولانا محمد نبيّ الملاحم | | المبعوث للكافة بالمكارم والمراحم |
المنير بهديه أرجاء العالم | | الفاتح لما أغلق و لعقد الإرسال الخاتم |
طلعة الحق بالحق والكنز المطلسم المصون |
كشف به غياهب الظلمة | | وأرسله للعالمين رحمه |
وأتَمَّ بِدِينِهِ علينا النعمة | | وآتاه الكتاب والحكمه |
وخصه بمقام محمود يغبطه فيه الأولون والآخرون |
اللهم كما شرحتَ صدره و رفعتَ له ذكرا | | إجعل شرائف صلواتك و نوامي بركاتك عليه تترى |
وكفّر بها عنا السيئات وأَعْظِمْ لنا بها أجرا | | وأهِّلْنَا بها لرؤية محياه 5 الأسعد دنيا وأُخْرَى |
وحقق لنا بها أفضل ما نحن له راجون |
اللهم وصلِّ بها تحية و سلاما | | تلازم روضته الطاهرة التي حسنت مستقرا ومقاما |
وتَعُمّ الآل والصحب الذين جعلتهم للمتقين إماما | | والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما |
ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون |
اللهم وارْضَ عَمّن استجابوا لربّهم وللصلاة أقامـوا | | ولَهَجُوا بِذِكْرِ مولاهم و بحبّه هاموا |
وعظّموا حرُمات الله فما خرقوا الحِمَى ولا حَوْلَه حاموا | | أولئك الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا |
تَتَنَزّل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون |
حَدَا بِهِمْ إلى مقعد صدق سائق العناية | | ورُفِعتْ لهم من ربّهم أعلام الهداية |
ووَافَتْهُم البشرى من الله وملائكته بالولاية6 | | فنِعْمَ جهادهم وحبّذا الغاية |
ولِمِثْلِ هذا فليعمل العاملون |
سكنوا للفكر | | وتحركوا للذِّكْرِ |
وأفضوا مِنْ مضيق الصبر إلى فسيح الشكر | | فأُخْرِجُوا مِنْ عُمُوم " إنّ الإنسان لفي خسر" |
وأُدْخِلُوا في خصوص " فسأكتبها للذين يتقون " |
نضَّر وجوهَهم مولاهُم | | وتولاّهم و شَكَرَ مَسْعاهُم |
وزادهم هُدًى وآتاهم تقواهم | | وأورثهم مِنْ مقامات الأنبياء ما يناسب عُلاَهُم7 |
وجعل المجرمين أعداء الأنبياء ومِنَ الذين آمنوا يضحكون8 |
كذلك مضى مَثَلُ الأوّلِين | | فابتلى آدم باللّعين9 |
وصالحا بالرهط المفسدين10 | | ومحمدا صلى الله عليه وعلى إخوانه وسلم بالمستهزئين11 |
وموسى بفرعون وهامان وقارون |