نفحات7 ـ قصيدة البردة ـ الجزء الثاني
الرّئيسية > مكتبـة على الـخـطّ > البـردة ـ الفهرس > الجـزء الثـانـي


  في مولده عليه الصلاة والسلام
أبـانَ مولِـدُهُ عن طِـيـبِ  عنـصُـرِهِ
يَـومٌ تَفَـرَّسَ فـيـه  الفُـرسُ أنَّـهُـمُ
وبـاتَ اِيـوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْـصَـدِعٌ
والنارُ خـامِـدَةُ الأنفـاسِ مِـن  أَسَـفٍ
وسـاءَ سـاوَةَ  أنْ غاضَـتْ بُحَيرَتُـهَـا
كـأَنَّ بالنـارِ مـا بالمـاءِ  مِـن بَـلَـلٍ
والجِـنُّ  تَهتِـفُ والأنـوارُ سـاطِـعَـةٌ
عَمُـوا وصَمُّـوا فـإِعلانُ البشـائِرِ لـم
مِن بعـدِ ما أخبَـرَ الأقـوامَ كـاهِـنُهُـم
وبعـد ما عاينُوا في الأُفقِ مِن شُـهُـبٍ
حتى غَـدا عن طـريقِ الوَحـيِ مُنهَـزِمٌ
كأنَّـهُـم هَـرَبَـا أبـطـالُ  أبْـرَهَــةٍ
نَبْـذاً به  بَعـدَ تسـبيـحٍ بِبَـطنِهِمَــا
يـا طِيـبَ مُبتَـدَاٍ منـه  ومُـخـتَـتَـمِ
قَـد أُنـذِرُوا بِحُلُـولِ البُـؤسِ والنِّـقَـمِ
كَشَـمـلِ أصحـابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِـمِ
عليه والنهـرُ سـاهي العَيْـنِ مِن سَـدَمِ
وَرُدَّ وارِدُهَــا بـالغَيْـظِ  حينَ ظَـمِـي
حُزْنَـاً وبـالمـاءِ ما بالنـار مِن  ضَـرَمِ
والحـقُّ يظهَـرُ مِـن معنـىً ومِن كَلِـمِ
تُسمَـعْ وبارِقَـةُ الاِنـذارِ لـم تُـشَــمِ
بـأنَّ دينَـهُـمُ المُعــوَجَّ لـم يَـقُــمِ
مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَـمِ
مِن الشـياطيـنِ يقفُـو  اِثْـرَ مُنـهَـزِمِ
أو عَسكَـرٌ  بالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِـي
نَبْـذَ المُسَبِّـحِ  مِن أحشـاءِ ملـتَـقِـمِ
  في معجزاته صلى الله عليه وسلم
جـاءت لِـدَعوَتِهِ الأشـجـارُ سـاجِـدَةً
كـأنَّمَا  سَـطَـرَتْ سـطرا لِمَا  كَتَـبَـتْ
مثـلَ الغمـامَـةِ أَنَّـى سـارَ سـائِـرَةً
أقسـمـت  بالقمـر المنـشـق إن لـه
وما حـوى الغـارُ مِن خيـرٍ  ومِن كَـرَمِ
فالصدقُ  في الغارِ والصـدِّيـقُ لم يَرِمَـا
ظنُّـوا  الحمـامَةَ وظنُّوا  العنكبوتَ علـى
وِقَـايَةُ  اللـهِ أغنَـتْ عَن  مُضَاعَـفَـةٍ
ما سامَنِي الدَّهـرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِـهِ
ولا التَمسـتُ  غِنَـى الدَّارَيْـنِ مِن يَـدِهِ
لا تُنـكِـرِ الوَحْـيَ مِـن رُؤيَـاهُ اِنَّ لَـهُ
وذاكَ حـيـنَ بـُلُـوغٍ مِـن نُـبُـوَّتِـهِ
تبـارَكَ اللـهُ ما وَحـيٌ بمُـكـتَـسَـبٍ
كَـم أبْرَأَتْ وَصِـبَـاً باللمـسِ راحَـتُـهُ
وأَحْيـت  السَـنَةَ الشَّـهبـاءَ دَعـوَتُـهُ
بعارِضٍ جـادَ أو خِلْـتَ  البِطَـاحَ بهــا
تمشِـي إِليـه  علـى ســاقٍ بلا قَـدَمِ
فُرُوعُهَـا مِـن  بـديـعِ الخَطِّ في الَّلقَـمِ
تَقِيـهِ حَرَّ  وَطِيـسٍ للهَجِـيـرِ حَـمِـي
من قلبـه  نسبـةً مـبـرورة القـسـمِ
وكُـلُّ طَـرْفٍ مِنَ الكفـارِ  عنه عَـمِـي
وهُم يـقـولـون  مـا بالغـارِ مِـن أَرِمِ
خـيـرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنـسُـجْ ولم تَـحُـمِ
مِـنَ الدُّرُوعِ وعـن  عـالٍ مِـنَ الأُطُـمِ
اِلا ونِـلـتُ جِـوَارَاً  منـه لـم يُـضَـمِ
اِلا استَلَمـتُ  النَّدَى مِن خيـرِ مُسـتَلَـمِ
قَلْـبـاً اِذا  نـامَـتِ العينـانِ  لم يَـنَـمِ
فليسَ يُنـكَـرُ فيـهِ حـالُ مُـحـتَـلِـمِ
ولا نبـيٌّ  علـى غـيـبٍ بـمُـتَّـهَـمِ
وأطلَقَـتْ  أَرِبَـاً مِـن رِبـقَـةِ اللـمَـمِ
حتى  حَكَـتْ غُرَّةً في الأَعصُـرِ الدُّهُــمِ
سَـيْـبٌ مِنَ اليـمِّ أو سَـيْلٌ  مِنَ العَـرِمِ
  في شرف القرآن ومدحـه
دَعنِـي وَوَصفِـيَ آيـاتٍ لـه ظـهَـرَتْ
فالـدُّرُ يزدادُ  حُسـنـاً وَهْـوَ مُنتَـظِـمُ
فـمَـا تَـطَـاوُلُ آمـالِ المـدِيـحِ إلـى
آيـاتُ  حَـقٍّ مِـنَ الرحمـنِ  مُـحدَثَـةٌ
لـم تَقتَـرِن  بزمـانٍ وَهْـيَ  تُخبِـرُنـا
دامَـتْ لدينـا ففـاقَـتْ كُـلَّ مُعـجِـزَةٍ
مُحَكَّمَـاتٌ فمـا تُبقِيـنَ مِـن شُــبَـهٍ
ما حُورِبَـت قَـطُّ إلا عـادَ مِـن  حَـرَبٍ
رَدَّتْ بلاغَتُـهَـا دَعـوى مُعـارِضِـهَـا
لهـا  مَعَـانٍ كَمـوْجِ البحـرِ في مَــدَدٍ
فَمَـا تُعَـدُّ  ولا تُحصَـى عجـائِـبُـهَـا
قَـرَّتْ بَها  عيـنُ قارِيـهـا فقُلـتُ لـه
إن تتلـهـا خيفـةً من حـر نـار لظـى
كأنَّهـا  الحـوضُ تَبيَـضُّ الوُجُـوهُ بِـهِ
وكـالصِّـراطِ  وكـالميـزانِ مَـعـدَلَـةً
لا تَعجَبَـنْ  لِحَسُــودٍ راحَ  يُنـكِـرُهَـا
قد تُنكِـرُ  العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَـدٍ
ظهُـورَ نارِ القِـرَى ليـلا على عَــلَـمِ
وليس يَـنقُـصُ قَـدرَاً غيـرَ مُنتَـظِـمِ
ما فيـه  مِن كَـرَمِ الأخـلاقِ والشِّـيَـمِ
قديمَـةٌ  صِفَـةُ المـوصـوفِ بالقِــدَمِ
عَـنِ المَـعَـادِ وعَـن عـادٍ وعَـن إِرَمِ
مِنَ النَّـبـيـيـنَ اِذ جـاءَتْ ولَـم تَـدُمِ
لـذي شِـقَاقٍ وما تَبغِـيـنَ مِن حِـكَـمِ
أَعـدَى الأعـادِي  إليها مُلقِـيَ السَّـلَـمِ
رَدَّ الغَـيُـورِ يَـدَ الجـانِي عَـن الحُـرَمِ
وفَـوقَ  جَوهَـرِهِ في الحُســنِ والقِيَـمِ
ولا تُـسَـامُ علـى الاِكـثـارِ بـالسَّـأَمِ
لقد  ظَفِـرتَ بحَبْـلِ اللـه  فاعـتَـصِـمِ
أطفـأت حـر لظـى من وردهـا الشـبم
مِنَ العُـصَـاةِ  وقَـد جـاؤُوهُ كالحُـمَـمِ
فالقِسطُ مِن غيرِهَـا في الناسِ لم يَقُـمِ
تجـاهُـلا  وَهْوَ عينُ الحـاذِقِ  الفَـهِـمِ
ويُنكِـرُ الفَـمُ طعـمَ المـاءِ مِن سَـقَـمِ


<< الجزء الأول    الجزء الثالث >>